السبت، 5 نوفمبر 2011

مصريون في سيناء ما زالوا يلاطفــون ألغــام الصحــراءْ..


مقالي بجريدة الشروق تجدونه من خلال هذا اللينكhttp://www.shorouknews.com/menbar/view.aspx?cdate=03112011&id=d81f5aef-af7c-4008-9c95-31d9949352ac

يخرج الكثير من أبناء قريتنا سواءا سواء من طلبة المدارس أو ممن يعولون أسرهم تحزمهم شنطة بحثاً عن عدالة لم يجدوها حتى مصادفة في صعيد مصر ولم يجنوا منها غير الاسم.. وأي عدالة في عهد الملك المخلوع الذي تغنى بألمه عصره كل الطبقات بما فيها الفقير والغني؟.

سافرت إلى سيناء مرات عديدة وعلى وجه الخصوص مدينة شرم الشيخ .. رأيت وتعلمت الكثير هناك .. رأيت الكثير من اللصوص الذي يتاجرون بأمعاء الوطن .. فمنهم "تاجر الخردة " الذي يقوم بسرقة أموال الدولة من كابلات كهرباء أو تليفونات ويبيعها بآلاف الجنيهات وللأسف لم يكن جاهلا بقواعد القانون أو الوطنية ، وإنما كان يعمل في بعض الأحيان مربي أجيال يأخذ إجازة مفتوحة للعمل بتلك التجارة سريعة المكسب أو طالباً بكلية أو رجلا يدعي لنفسه الفهولة والمعرفة بأمور التجارة نظرا لما تطلبه تلك التجارة من الذكاء والعلاقات.

رأيت أيضا شباباً صغار يعملون في بعض الأعمال الشاقة المضنية وكانوا أبطالاً في صحراء سيناء يتلاقي كفاحهم ببطولة من اجل لقمة العيش مع انتصارات جنودنا البواسل على دبابات العدو الصهيوني المتناثرة في الصحراء.

كل شيء رايته في مدينة شرم الشيخ لم يكن مألوفاً في عرف الحياة من نواحي كثيرة .. تلك المدينة التي لم يعامل فيها المصريون أبدا وعلى وجه الخصوص هولاء الشباب الصغار من أبناء بلدتي على أن أهلهم وذويهم هم من حرروها وان لهم حقاً فيها يمكنهم من معاملة الشرطة والسلطات العامة لهم مثل معاملة الأجنبي.

كانت شرم الشيخ حصنا حصينا على أبناءها وعلى المصريون .. يدخلونها بصعوبة بالغة فيلزم لدخولها تصريح مسبق من امن الدولة وكأن المصري الذي يدخلها يدخل بلدا غريبا عليه يعامل معاملة خاصة داخلها عند الدخول إليها وفي التعايش داخلها، وقد وجدت نفسي بينهم في بعض الأيام اختيارا حتى يمكنني القدر أن اكتب ما هو محفوراً في ذاكرتي واصف بعضا من معاناتهم.

كانت الشرطة المصرية تتعامل مع هولاء الشباب والأطفال الصغار من أبناء بلدتنا على الأخص بكل قسوة وكأنهم ليسوا مصريين، وكانوا يعملون في نوعية معينة من الأعمال وهي تحميل وتنزيل تريلات الاسمنت والطوب الحراري التي كانت تدخل من اجل اعمار شركات السياحة والفيلات والمنتجعات السياحية ، وكانت تلك الأعمال حكرا عليهم ولا يعمل بها من جميع محافظات مصر إلا هولاء لأنهم كانوا أكثر الناس قدرة على الصمود في تلك الأعمال.

تميزت تلك الأعمال بالمشقة الزائدة ، حيث أن درجة الحراة في تلك المدينة التي يحيط بها الجبال كان يزيد في بعض الأحيان عن 50 درجه وكان التعايش الدائم على الإسفلت تجلس حتى تشاهد تريلا قادمة من القاهرة فتتفق معها إما على المقابل ومكان التحميل أو التنزيل.

كانت تحتوي تلك التريلات إما كميات هائلة من العبوات الأسمنتية التي جاءت من مصانعها فورا ساخنة في قمة الحرارة وكان يمسكها هولاء فتسلخ أياديهم جراء حرارتها وحرارة الجو، إضافة إلى مزيد من الألم إذا فتحت عبوة أسمنتية ودخل الاسمنت إلى جراح يديك ، وإما كميات ضخمة من الطوب الحراري.

كانوا يسكنون باختيارهم في حاويات من الخشب في عمق الصحراء حتى يكونوا بمنأى عن رجال الشرطة .. صحراء لا أنيس فيها سوى الثعابين وحتى هذه لم تكن تأتي إلا بالليل عندما كان يعود العامل من عمله في قمة التعب والإجهاد ويتحامل على نفسه ليطبخ اللحمة التي تعينه على أن يقاوم العمل المضني في النهار الذي يلي سجن هذا الليل.

كانت تأتي الثعابين التي تتميز أحيانا بالأجنحة أو القفز على رائحة الطعام ترقص من حول العمال إلا أن ذلك المشهد لم أشاهده وما شاهدته كان مزرعة فئران وليست ثعابين ، وكانوا يلاطفون الثعابين بقطعة من الخبز مخللة في الطبي أو قطعة من اللحمة أو يضربونها في أحيان كثيرة إذا قررت العبث ببعض المياه الساخنة أو بقطعة من الخشب

إضافة إلى ما يحدث بينهم وبين الشرطة وجريهم مهرولين في صحراء سيناء مطاردين من الشرطة وفي أثناء جريهم يهلك من يهلك وتكتب نهايته عقب سقوطه في منخفض عميق مليء بمياه السيول أو في لغم تعود على أن يلاطفه هذا العامل عندما كان يعترض سيره أثناء رجوعه إلى السكن إلا انه انفجر به عقابا على عدم اللطف به وهو نائم منذ سنوات في سطح الأرض .

أو ينجو عندما يستطيع أن يملك أنفاسه ويجري مسافة 15 كيلو متر بسرعة الجمل وخلفه عسكر امن الدولة اللذين ينتعلون في أرجلهم أحذية تساعدهم على القفز بينما ينتعل هولاء الشباب أرجلهم وينشبونها في حبات الرمال الحارة في أجواء تزيد درجة حرارتها عن 50 درجة مئوية .

الكل كان يجري ويستعد أن يدفع حياته ثمناً ولا يتم القبض عليه من الشرطة التي كانت تأخذه في قسم شرطة شرم الشيخ يعمل لمدة أسبوع سخره تقترن بالسباب والقذف ، إضافة لذلك مدة 25 يوماً يقضيها طفل عمره 12 عام أو طالب في كلية خرج ليأتي بمصروفاته الدراسية .

أن ما رويته بصورة مخففة لم أكن انوي أن ارويه مطلقاً ، فلكل من ذاكرة يضيق أو يتسع بها صدره إلا أنها نهاية تعد تاريخاً ليس للإطلاع لان محلها القلب والعقل الباطن وإنما ذكرتها بين أياديكم لما عرفت أن مصر بها ثورة عظيمة .

ونهاية أتساءل بكل ما سبق .. أليس من حق أبناء الشعب المصري أن يعاملوا معاملة كريمة في تلك المدينة وان يلتمسوا سبل العيش والرزق بسهولة ويسر حتى نساعدهم أن يكونوا شرفا بدلا من أن يكونوا مثل الكثير من تجار الخردة اللذين يبيعون أمعاء الوطن وبنيته التحتية من كابلات كهرباء ومواسير مياه وأغطية الصرف الصحي هولاء اللذين رأيتهم أمامي يبكون عندما أتوا لي حتى أتولى الدفاع عنهم في قضية ما من هذا النوع ؟؟ .
محمد جلال عبدالرحمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق