السبت، 5 نوفمبر 2011

التديــن الصحيــــح والتديـــن المعتــــل

مقالي المنشور بجريدة الشروق
تجدونه من خلال هذا اللينك

http://www.shorouknews.com/menbar/view.aspx?cdate=03112011&id=992542b8-e451-451b-ad2f-f6fd808b04b2

الواجب على اللذين يعملون في مجال الدعوة إلى الله تعالى أن يكونوا ما بين الغلو والتقصير مستقيمين على دين الله عز وجل.. كما أمر الله في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) سورة الشورى الآية 13.

إلا إن الواقع مختلفا عن ذلك ، فالدعوة إلى الله تعالى صارت في أيامنا ما بين طرفين أما (مفرط أو مقصر).

أما الطرف الأول: يتمثل في الدعاة اللذين يدعون إلى دين الله تعالى بجانب من الإفراط ، حيث يكون الداعية شديداً يريد من الناس أن يطبقوا الدين بحذافيره ولا يتسامحون عن شيء مما يسمح به الدين.

وإذا رأى من الناس تقصيراً حتى في الأمور المستحبة فانه ينزعج لذلك انزعاجاً شديدا ويأخذ في الوعظ بقوارص الكلم وسيئ العبارات وبهذا يتحول الدين عن وجهته إلى وجهة تصد وتسلب.

والحقيقة أن هذا النوع من الناس آفة قال فيها الشاعر:

وهل أفسد الدين إلا الملوك     وأحبار سوء ورهبانها

فباعوا النفوس ولم يربحوا     ولم تغل في البيع أثمانها

ومن الاعتلال ما يظهره البعض من أن التدين مبني على الانعزال عن آراء الآخرين ويلتزمون بالتشدد نحو أفكار وآراء معينة تهدف إلى الإحاطة بسياج واقي على فكرة أو مطلب عقائدي للحفاظ على الإسلام والمسلمين ويظلون على إعجاب وتمسك برأيهم وبذلك يكون الوصول إلى الهدف بعيداً لان رأيهم لا دليل عليه غير أنهم هم مقتض الدليل ويطالبون الجميع في الأخذ به.

ولهذا يجب أن تكون الدعوة إلى الدين على أساس مستقيم بما شرعه الله – عز وجل وألا نجعل مقياس الشدة واللين في مسلك الدعوة إلى الله ما تمليه علينا أهواؤنا وأذواقنا الشخصية، بل يجب أن نجعل المقياس هدي النبي "صلى الله عليه وسلم"، وأصحابه، فقد وضع لنا الهدي بقوله وفعله وتقريره.

والنبي، صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم" وأخذ حصيات وهو في أثناء مسيره من مزدلفة إلى منى أخذ حصيات بكفه وجعل يقول: "يا أيها الناس بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين".

وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الدين يسر" ولما بعث معاذ أو أبا موسى الأشعري إلى اليمن قال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا" ولما مر يهودي بالنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال السام عليكم يا محمد – يريد الموت عليك لأن السام بمعنى الموت – وكان عند النبي، صلى الله عليه وسلم، عائشة رضي الله عنها فقالت "عليك السام واللعنة" فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام، "إن الله رفيق يحب الرفق وإن الله ليعطي بالرفق مالا يعطي على العنف".

والدعوة إلى الله تعالى أحد أركان الأعمال الصالحة التي لا يتم الربح بها ومشروطة بلزوم الحق والصبر مصداقا لقوله تعالى (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ . وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ . وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

ولهذا فان التدين الصحيح هو صدق التوجه إلى الله عز وجل بفطرة سليمة خالصة من شوائب النفوس، (شوائب المغزى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي) في شكل يصل بعقيدة التوحيد إلى سهولة ويسر تظهر التسامح والتواصل والتراحم والتواضع لله تعالى والتواضع للناس.

ونهاية.. الإسلام المبني على التدين الصحيح الواعي لا يقصد به التعبد فقط بشعائر الدين، والبعد عن التطبيق الواعي للقواعد الشرعية والمعاملات وأخلاقيات الإسلام الكريمة السامية.
محمد جلال عبدالرحمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق